01‏/08‏/2012

الرد على رسالة الدكتوراه التي تقول بأن الحجاب ليس فريضة.


المقال التالي هو ليس حصيلة لإجتهاداتي الشخصية، بل قمت باللجوء إلى ابن عمي "أبو عبد الرحمن" للإستفسار منه عن الإجابة الدقيقة والشافية بسبب معرفته الأوسع في الجانب الديني، وبعد نقاش طويل بيني وبينه أضع بين أيديكم رداً على "رسالة الدكتوراه التي صدرت من أحد علماء الأزهر بأن الحجاب ليس فريضة شرعية في الإسلام" وتصريح الأزهر بذلك.

مقدمة لا بد منها:  

ان الغرب الكافر قد قام منذ حملات الاستشراق للان بوضع الامة تحت المجهر وتحت المراقبة وقد استطاع من خلال ذلك ان يؤثر في الامة ويصنع عملاء له في الفكر والسياسة واستطاع ان يهدم دولة المسلمين ويوقع الامة في افخاخ سياسية وفكرية تلهي الامة عن صعيد معركتها الحقيقية واستطاع ان يوجد التضليل الفكري والثقافي والسياسي. ان الغرب الكافر الان يطرح بكل قوة فكرته ومشروعه "اعني الديموقراطية والعلمانية والدولة المدنية ودولة الحقوق والمؤسسات وحقوق الانسان ...الخ" ويستخدم كل ما اوتي من قوة ومن ادوات ووسائل لترويج هذه الافكار تماما كما فعل في بدايات القرن الماضي عندما هدم دولة الاسلام (دولة الخلافة ).  وهذا امر قديم وليس جديد  فقد قام ازهري في بدايات القرن الماضي بنشر كتاب اسمه الاسلام واصول الحكم لعلي عبد الرازق ادعى فيه ان الاسلام لم يات بنظام للحكم وان وجود دولة اسلامية ليست مسألة شرعية اتت بها نصوص الشرعية. وهذا الكتاب جاء كموافقة ضمنية على هدم الخلافة لاسلامية "الدولة الإسلامية" مما يزيل المصداقية عن المصدر للكتاب والموافق عليه من ناحية شرعية وفي الأسطر القادمة سيرد وصف لمن يمكن اعتبارهم مرجعية. وهناك من يقال عنهم انهم علماء يجعلون الديموقراطية من الاسلام مع انها كفر صراح ولا علاقة لها بالاسلام ابدا فالاسلام شئ والديموقراطية شئ اخر وهناك من يروج للدولة المدنية ( العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة ) ويعتبر ان الرسول هو اول من اوجد الدولة المدنية ! في المقدمة الآن قبل التطرق لموضوع الحجاب المهم هو ما هو الاسلام ؟؟ وكيف تفهم نصوص الاسلام ؟ اي هو موضوع متعلق بهذا الاصل اولا اعني ماهو الاسلام وكيف يفهم الاسلام ؟ ذلك ان البحث في نصوص الاسلام وادلته على مسألة معينه لا قيمة له ان لم نعرف كيف تفهم النصوص وكيف تستنبط الاحكام . فاقول الاسلام هو الدين الذي انزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بالتالي القران والسنة وهذا كما ترى اصل مهم، اعني ان الاسلام هو القران والسنة اي قال الله وقال رسول الله وما فهم من قال الله وقال رسول الله. وما لم يكن من قال الله وقال رسول الله، ولم يبنى عليهما لا يكون اسلاما. ومن هنا كانت الديموقراطية والعلمانية والدولة المدنية وفكرة الحريات وحقوق الانسان ليست من الاسلام لانه لا دليل عليها من القران والسنة وليست مبنية عليهما، وها هنا نقطة مهمة ان هذه الافكار - اعني الديموقراطية والعلمانية والدولة المدنية وفكرة الحريات وحقوق الانسان-  لا تفسر على الوجه الذي يوافق احكام الاسلام اي القران والسنة وانما تفسر بحسب واضعيها، اي ان لها مدلول معين عند اهلها تفسر به فالديموقراطية تعني حكم الشعب للشعب وهي تعطي السلطات الثلاث للشعب اعني السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، فالسيادة فيها للشعب وبالتالي فلا بد من اعطاء الشعب الحرية ليختار السلطات الثلاث دون اجبار من احد لذلك اعطي حريته الشخصية والتملك والرأي والعقيدة ومعلوم ان الديموقراطية كانت نتاج لفكرة العلمنة اعني فصل الدين عن الحياة وهذا كما ترى على هذا الوجه اي افكار الديموقراطية والعلمانية والدولة المدنية والحريات وحقوق الانسان بحسب واضعيها هي افكار مناقضة للاسلام فالله سبحانه يقول (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ويقول (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) ويقول (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) لاحظ هنا التناقض بين اساس النظرة للحياة فالاسلام ( القران والسنة ) واضح في ان معنى الحياة ونظرته للحياة انها دار ممر ودار بلاء ويتوقف عليها النتيجة ما بعد الحياة الدنيا اي دخول الجنة والنجاة من النار. فالاسلام جاء باساس معين ينطلق منه: هو ان هناك خالقا خلقنا يتصف بصفات الكمال ومنزه عن النقص وقد بعث الرسل بالبينات والدلائل التي تدل على صدقهم وبعث مهعم الهدى والنور اي الشرائع التي تعالج شؤون الحياة في جميع جوانبها على اساس اننا سنبعث يوم القيامة ونحاسب على كل صغيرة وكبيرة من اعمالنا فمن اطاع الله وارضاه فله الجنة ومن عصاه فله النار والعياذ بالله يقول تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) )
وما دام الامر كذلك اعني اننا عبيد لله ( اي نسير ارادتنا بحسب اوامر الله ونواهيه ولسنا احرارا)  فإن ذلك  يعني ان اوامره ونواهيه بعد ثبوتها انها اوامره ونواهيه _ لاحظ ودقق بعد ثبوت انها اوامر من الله ونواهي منه _ يجب ان يتقيد بها دون جدال وبتسليم مطلق، وهذا ليس فيه تقييد للعقل بسبب ذكر التسليم دون جدال، لأنه نابع من اقتناع بصحتها بعد ثبوتها ومبني على إيمانك بأنه الصواب. قال تعالى ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) وقال (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
هذه مقدمة لا بد منها يبنى عليها بقية البحث وهنا نصل لجزئية كيف يفهم الاسلام ؟ لقد ثبت سابقا ان الاسلام هو القران والسنة اي قال الله وقال رسول وما فهم من قال الله وقال رسول الله اما من يفهم فهو المخاطب اعني الانسان المكلف العاقل فهو الذي يفهم الخطاب اي قال الله وقال رسول الله اما كيفية فهمة فان قال الله وقال رسول الله هو كلام صيغ باللغة العربية وبحسب اساليب العرب في الكلام لذلك لا يمكن ان يفهم الا بحسب دلالات اللغة العربية _ ومن هنا ندرك السر في اهمال امر اللغة العربية الادب العربي الاصيل وطرح اللغة العربية والادب العربي التغريبي مثل ادب ترجمات الكتب  شكسبير وتولستوي ......الخ  والتي أيضاً كان لها أثر في ذكر كلمات بغير معناها العربي ومن الأمثلة على ذلك مثال معنة كلمة الغانية فهي في الادب الغربي المترجم تدل على انها الفتاة اللعوب أما معناها في اللغة العربية فالغانية هي الغنية بأخلاقها والتي تُطلَب ولا تَطلُب" _ ولا بد ايضا من المعارف الشرعية التي تلزم لفهم النص اعني سسب النزول وظرفه وسياقة ومعرفة الناسخ والمنسوخ ....الخ وهذه كلها هي ما يسمى علم اصول الفقه وهي ضوابط فهم النص قال الله وقال رسوله . بهذه الكيفية يفهم الاسلام واحكام الاسلام يقول الشافعي في كتابه الرسالة وهو اول كتاب دون في اصول الفقه (قال الشافعي والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الاصول متشعبة الفروع. (54) فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه متقاربة الاستواء عنده وان كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض ومختلفة عند من يجهل لسان العرب (55) قال الشافعي فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه 56 - فمنها ما أبانه لخلقه نصا مثل جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ونص الزنا والخمر وأكل الميتة والدم واحم الخنزير وبين لهم كيف فرض الوضوء مع غير ذلك مما بين نصا (57) ومنه ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي انزل من كتابه (58) ومنه ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله في نص حكم وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل (50) ومنه ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم ) ويقول ( ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب(128) والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخة والفرض في تنزيله والادب والارشاد والاباحة (129) والمعرفة بالموضع الذي وضع الله به نبيه من الابانة عنه فيما أحكم فرضه في كتابه وبينه على لسان نبيه وما أراد بجميع فرائضه على الناس من طاعته والانتهاء إلى امره (130) ثم معرفة ما ضرب فيها من الامثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب معصيته وترك الغفلة عن الحظ والازدياد من نوافل الفضل (131) فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا (132) وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الامساك أولى به أقرب من السلامة له إن شاء الله ) ثم قال (وإنما بدات بما وصفت من ان القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لانه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها (170) فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحة للمسلمين والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه وادراك نافلة خير لا يدعها إلا من سفه نفسه وترك موضع حظه وكان يجمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حق وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله وطاعة الله جامعة للخير ) ثم قال (فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب بالشيئ منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغني بأول هذا منه عن آخره وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهر يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره (174) وتبتدئ الشئ من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره وتبتدئ الشئ يبين آخر لفظها منه عن أوله (175) وتكلم بالشيئ تعرفه بالمعنى دون الايضاح باللفظ كما تعرف الاشارة ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها (176) وتسمي الشئ الواحد بالاسماء الكثيرة وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثرة (177) هذه الوجوه التي وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به وإن اختلفت أسباب معرفتها معرفة واضحة عندها ومستنكرا عند غيرها ممن جهل هذا من لسانها وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه (178) ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة والله اعلم وكان بخطئه غير معذور وإذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه

انتهت المقدمة


اذا اتضح الكلام السابق ننتقل لمسألة ان المسلمين منهم العالم والفقيه والمثقف ومنهم العامي والجاهل فكيف نعرف الحكم الشرعي في مسألة من المسائل ؟؟؟ والجواب على ذلك ان الحكم الشرعي اما ان يؤخذ استنباطا مباشرة من النص اي من قال الله وقال رسول الله وهذا حال المجتهد والذي يجب ان تتوفرفيه ما قلناه سابقا حتى يستطيع ان يفهم النصوص ودلالاتها واما ان يؤخذ اخبارا من المجتهد او العالم او الفقيه وهذا ما يسمى باخذ الحكم الشرعي تقليدا اي هو اخبار من العالم عن الله بان هذا حلال وهذا حرام وهذا يشترط فيه شروط ان يكون المخبر عدلا ثقة ورعا لانه مخبر عن الله ولا يصح اخذ خبره الا اذا كان عالما ثقة عدلا اما ان لم يتصف بذلك فلا يصح الاخذ منه . قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وقال (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وقال (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) على اننا الان في زمن اصبح فيه تراثنا وابحاث الفقهاء في المتناول فنستطيع الرجوع لكتب الفقه الاسلامي المعتبرة وتستطيع ان تعرف الحكم في المسالة مع ادلتها من كتب الفقه المعتبرة وهي كتب الفقهاء السابقين البعيدين كل البعد عن الثقافة الغربية وابحاث المستشرقين. والمشهود لهم بالعلم والتقوى من امثال الشافعي وابو حنيفة ومالك واحمد وغيرهم من الفقهاء. وكتب الفقه المعتبرة والتي فيها غزارة في البحث والنظر والاستدلال هي الكتب التي دونت قبل القرن السابع اعني قبل 600 للهجرة مثل كتاب الام للشافعي والمغني لابن قدامة والمدونة الكبرى للامام مالك وكتاب المبسوط للسرخسي وكتاب بدائع الصنائع للكاساني .....الخ . ساكمل لاحقا في بحث ادلة الحجاب،  والله الموفق.

من كتاب النظام الاجتماعي في الاسلام للمرحوم تقي الدين النبهاني (القول بأن الحجاب مفروض على النساء في الإسلام يسترن به وجوههن ما عدا عيونهن هو رأي إسلامي ، قاله بعض الأئمة المجتهدين من أصحاب المذاهب . والقول بأن الحجاب غير مفروض على النساء في الإسلام ، فلا يجب على المرأة المسلمة أن تستر وجهها مطلقاً لأنه ليس بعورة ، هو أيضاً رأي إسلامي ، قاله بعض الأئمة المجتهدين من أصحاب المذاهب . وبما أن هذه المشكلة هي من المشاكل الاجتماعية الهامة ، وتبني أي رأي من هذين الرأيين يؤثر على طراز الحياة الإسلامية ، لذلك كان لا بد من عرض شامل للأدلة الشرعية في هذه المشكلة ، بدراستها ، وتتبعها ، وتطبيقها على المشكلة . حتى يتبنى المسلمون الرأي الأقوى دليلاً ، وحتى تتبنى الدولة الإسلامية الرأي الأرجح برجحان الدليل . نعم قامت منذ ما يقرب من أكثر من نصف قرن مناقشات حول المرأة ، أثارها الكفار المستعمرون في نفوس المفتونين بالغرب ، المضبوعين بثقافته ، ووجهة نظره في الحياة . فحاولوا أن يدسوا على الإسلام آراء غير إسلامية ، وحاولوا أن يفسدوا وجهة نظر المسلمين ، وابتدعوا فكرة الحجاب والسفور ، ولم يتصد لهم العلماء المفكرون ، بل تصدى لهم كتاب ، وأدباء ، ومتعلمون جامدون ، مما مكن لآراء هؤلاء المضبوعين ، وجعل أفكارهم محل بحث ومناقشة ، مع أنها أفكار غربية ، جاءت لغزو الإسلام وإفساد المسلمين ، وتشكيكهم في دينهم . نعم قامت هذه المناقشات ولا تزال بقاياها وآثارها ماثلة ، ولكنها لا تستأهل البحث ، ولا ترقى إلى درجة الأبحاث التشريعية والاجتماعية . لأن البحث إنما هو في أحكام شرعية استنبطها مجتهدون واستندوا فيها إلى دليل ، أو إلى شبهة دليل ، وليس البحث في آراء كتاب ، أو تسميات مأجورين ، أو سفسطات مخدوعين ، أو ترهات مضبوعين . فما يقوله المجتهدون مستنبطين إياه من الأدلة الشرعية هو الذي يوضع موضع بحث ، ويناقش مناقشة تشريعية . وكذلك يلتحق بأقوال المجتهدين مما يوضع موضع البحث أقوال بعض الفقهاء والمشايخ والمتعصبين للحجاب فتبحث لإزالة الشبهة من نفوسهم . ولهذا سنعرض لأقوال المجتهدين ولأدلتهم ، حتى يتبين القول الراجح ، فيلزم كل من يراه راجحاً بالعمل به ، والعمل لتطبيقه . لقد ذهب الذين قالوا بالحجاب إلى أن عورة المرأة جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ، إنما هو في الصلاة فحسب ، أما في خارج الصلاة فقالوا إن جميع بدنها عورة ، بما في ذلك وجهها وكفاها . واستندوا في قولهم هذا إلى الكتاب والسنة .

أما الكتاب فلأن الله تعالى يقول : { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } وهو صريح في ضرب الحجاب عليهن ، ويقول الله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } وقالوا إن معنى يدنين عليهن من جلابيبهن يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن . ويرون أن النساء كن في أول الإسلام على عادتهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار ، لا فرق بين الحرة والأمة ، وكان الفتيان من أهل الشطارة يتعرضون للإماء إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان ، وريما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، يقولون حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف ، وستر الرؤوس والوجوه ، ليحتشمن ويهبن ، فلا يطمع فيهن طامع . وهذا أجدر وأولى أن يعرفن فلا يتعرض لهن . ولا يلقين ما يكرهن . ومنهم من يقول ذلك أدنى أن يعرف هنالك " لا " محذوفة أي ذلك أجدر أن لا يعرفن جميلات أو غير جميلات فلا يؤذين . ويقول الله تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } وقالوا إن أمر الله للنساء أن يقرن في بيوتهن دليل على الحجاب . وأما السنة فلما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "المرأة عورة " ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي لتحتجب منه " ولما روي عن أم سلمة قالت : " كنت قاعدة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " احتجبن منه . فقلت يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر ، قال : أفعمياوان أنتما لا تبصرانه " ولما رواه أبو داود " كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته الخثعمية تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهه عنها " . وعن جرير بن عبد الله قال : " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري " . وعن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة " .


هذه هي أدلة القائلين بالحجاب ، والقائلين إن جميع بدن المرأة عورة . وهي أدلة لا تنطبق على المشكلة المستدل عليها بها ، لأنها جميعها ليست في هذا الموضوع . أما آية الحجاب وآية { وقرن في بيوتكن } فلا علاقة لنساء المسلمين بها مطلقاً ، وهما خاصتان بنساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصريح الآية إذا تليت جميعها ، وهي آية واحدة مرتبطة ببعضها لفظاً ومعنى . فإن نص الآية هو { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ، ولكن إذا دعيتم فادخلوا ، فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ، إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم ، والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً . إن ذلكم كان عند الله عظيما } فالآية نص في نساء النبي ، وخاصة بهن ، ولا عالقة لها بنساء المسلمين ، ولا علاقة لآية نساء غير نساء رسول الله بهذه الآية . ويؤيد كون هذه الآية خاصة بنساء الرسول عليه السلام ما روي عن عائشة قالت : " كنت آكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيساً في قصعة ، فمر عمر فدعاه فأكل ، فأصابت إصبعه إصبعي ، فقال عمر : أواه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، فنزل الحجاب " . وما روي عن عمر رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو حجبت أمهات المؤمنين ، فأنزل الله آية الحجاب " وما روي أن عمر مر على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهن مع النساء في المسجد فقال : " إن احتجبتن فإن لكن على النساء فضلاً ، كما أن لزوجكن على الرجال الفضل ، فقالت زينب رضي الله عنها يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا ، فلم يلبثوا يسيراً حتى نزلت " . فنص الآية وهذه الأحاديث قطعية الدلالة بأنها نزلت في حق نساء النبي عليه السلام ولم تنزل في غيرهن . وأما الآية { وقرن في بيوتكن } فهي أيضاً خاصة بنساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونص الآية كاملاً هو { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ، إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول ، فيطمع الذي في قلبه مرض ، وقلن قولاً معروفاً . وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، وأقمن الصلاة ، وآتين الزكاة ، وأطعن الله ورسوله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، ويطهركم تطهيراً } فصدر الآية صريح بأنها نزلت في نساء النبي خاصة بهن ، لأن الخطاب لنساء النبي ، ولأنه تخصيص بهن { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } ولا يوجد أبلغ ولا أدل من هذا النص على أن هذه الآية نزلت بنساء الرسول وأنها خاصة بهن . وقد أكد هذا المعنى بآخرها في قوله تعالى في ختام الآية نفسها {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} وهو صريح بأن هذه الصفة خاصة بنساء الرسول ، وإنه إنما أمرهن بذلك ليذهب عنهن الرجس ، وليطهرهن ، لأنهن من أهل البيت . وقد أكد ذلك أيضا في الآية التي بعدها مباشرة ، فإنه بعد قوله {ويطهركم تطهيراً} عقب ذلك فقال { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ، إن الله كان لطيفاً خبيراً } فذكرهن بأن بيوتهن مهابط الوحي ، وأمرهن أن لا ينسين ما يتلى فيها من القرآن . فهاتان الآيتان صريحتان بأنهما لنساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأنهما خاصتان بنساء الرسول ، فلا دلالة في أي منهما على حكم للنساء المسلمات غير نساء الرسول عليه السلام . على أن هنالك آيات أخرى خاصة بنساء الرسول مثل قوله تعالى : { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً } فلا يجوز لنساء الرسول أن يتزوجن بعده ، بخلاف النساء المسلمات فإنهن يتزوجن بعد أزواجهن ، وآيتا الحجاب هاتان خاصتان بنساء النبي عليه السلام كآية تحريم زواجهن بعده .

ولا يقال هنا إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وإن سبب نزول الآيات هو نساء الرسول وهي عامة فيهن وفي غيرهن ، لا يقال ذلك لأن سبب النزول هو حادثة وقعت ، فكانت سبب النزول . أما هنا فليست نساء الرسول حادثة وقعت ، وإنما هو نص معين جاء بحق أشخاص معينين ، فقد نص على شخصهن ، فقال : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } وقال : { وإذا سألتموهن } والضمير لنساء الرسول ، ومعين بهن ليس غير ، وعقب ذلك بقوله : {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} مما يشعر بعلة حجابهن ، وكل ذلك يعين أن الآيتين نص جاء بحق نساء الرسول ، فلا تنطبق عليهما قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وكذلك لا يقال إن خطاب نساء الرسول خطاب للنساء المسلمات ،لأن كون الخطاب المعين لشخص معين خطاباً للمؤمنين إنما هو خاص بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يشمل خطاب نسائه ، فخطاب الرسول خطاب للمؤمنين ، أما خطاب نسائه فهو خاص بهن ، لأن الرسول هو محل القدوة في كل خطاب أو فعل أو سكوت ، ما لم يكن من خصوصياته عليه السلام . أما نساء الرسول فلسن محل القدوة ، لأن الله يقول { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ولا يصح أن تكون نساء الرسول قدوة ، بمعنى أن يفعل الفعل لأنهن يفعلنه أو يتصف بالصفة لأنهن يتصفن بها ، بل هو خاص بالرسول لأنه لا يتبع إلا الوحي . وكذلك لا يقال إنه إذا كانت نساء الرسول وهن الطاهرات اللواتي يتلى الوحي في بيوتهن يطلب منهن الحجاب ، فإن غيرهن من النساء المسلمات أولى أن يطلب منهن ، لا يقال ذلك لسببين : أحدهما أن هذا ليس من قبيل الأولى ، لأن الأولى هو أن ينهى الله عن الصغير ، فيكون نهياً عن الكبير من باب أولى ، كقوله تعالى : { ولا تقل لهما أف } فمن باب أولى أن لا يضربهما . والأولى يفهم من سياق الكلام كقوله تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } فأداء ما دون القنطار من باب أولى ، وعدم أداء ما فوق الدينار من باب أولى . وآية الحجاب ليست من هذا القبيل ، لأن سياق الآية لا يدل إلا على نساء النبي ، ولا يدل على مفهوم آخر . ولفظ نساء النبي ليس وصفاً مفهماً حتى يقال غير نساء النبي من باب أولى . بل هو اسم جامد فلا يتأتى أن يكون له مفهوم ، فيكون الكلام خاصاً بالشيء الذي جاء النص عليه ، ولا يتعداه إلى غيره ولا مفهوم له . ولا يتأتى في الآية موضوع من باب أولى مطلقاً ، لا من ألفاظ الآية ، ولا من سياقها . والثاني أن هاتين الآيتين أمر لأشخاص مخصوصين قد نص عليهم بعينهم للاتصاف بصفات معينة ، فلا يكون أمراً لغيرهم مطلقا ، لا لمن هو أعلى منهن ، ولا لمن هو أدنى منهن ، لأنه وصف معين ، وهو مختص بأشخاص معينين . فهو أمر لنساء الرسول بوصفهن نساء الرسول لأنهن لسن كأحد من النساء ولأن هذا العمل يؤذي الرسول . وإذا انتفى انطباق قاعدة " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " وانتفى الإقتداء بنساء الرسول ، وانتفى كون غيرهن من باب أولى ، وثبت أن النص قطعي في كونه لنساء الرسول ، فقد ثبت أن هاتين الآيتين خاصتان بنساء الرسول عليه السلام ، ولا تشمل النساء المسلمات مطلقاً ، ولا بوجه من الوجوه . فيثبت بذلك أن الحجاب خاص بنساء الرسول ، والمكث بالبيوت خاص بنساء الرسول . وانتفى الاستدلال بهما على كون الحجاب قد شرع للنساء المسلمات .

وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى : { يدنين عليهن من جلابيبهن } فإنها لا تدل على تغطية الوجه بحال من الأحوال ، لا منطوقاً ولا مفهوماً ، ولا يوجد فيها أي لفظ يدل على ذلك ، لا مفرداً ، ولا من وجوده في الجملة ، على فرض صحة سبب النزول . فالآية تقول { يدنين عليهن من جلابيبهن } ومعناها يرخين عليهن من جلابيبهن ، و " من" هنا ليست للتبعيض وإنما هي للبيان أي يرخين عليهن جلابيبهن . ومعنى أدنى الستر : أرخاه ، وأدنى الثوب أرخاه ، ومعنى يدنين يرخين . والجلباب هو الملحفة ، وكل ما يستر به من كساء وغيره . أو هو الثوب الذي يغطي جميع الجسم . قال في القاموس المحيط " والجلباب كسر دأب وكسنمار : القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو ما تغطي به ثيابها كالملحفة " وقال الجوهري في الصحاح " الجلباب الملحفة وقيل الملاءة " ، وقد ورد في الحديث الجلباب بمعنى الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها . فعن أم عطية رضي الله عنها قالت : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى ، العواتق والحيض وذوات الخدور . فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ، ودعوة المسلمين . قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ، قال : " لتلبسها أختها من جلبابها " ومعناه ليس لها ثوب تلبسه فوق ثيابها لتخرج فيها ، فأمر بأن تعيرها أختها من ثيابها التي تلبس فوق الثياب ، فيكون معنى الآية هو : إن الله طلب من الرسول أن يقول لأزواجه وبناته ونساء المؤمنين يرخين عليهن ثيابهن التي تلبس فوق الثياب إلى أسفل ، بدليل ما روي عن ابن عباس أنه قال : الجلباب الرداء يستر من فوق إلى أسفل ، ولا تدل على إرخاء الجلباب - وهو الثوب الواسع - إلى أسفل ، ولا تدل على غير ذلك . فمن أين يمكن أن يفهم أن معنى يدنين عليهن من جلابيبهن أن يجعلن ثوبهن على وجههن ؟ مهما فسرت كلمة يدنين ومهما فسرت كلمة جلباب ، في حدود المعنى اللغوي والمعنى الشرعي ؟ بل الآية نص في إرخاء الثياب ، وإرخاؤها إنما هو إلى أسفل ، وليس رفعها إلى أعلى . وعلى ذلك فليس في هذه الآية أي دليل على حجاب ، بل ولا شبهة الدليل لا من قريب ولا من بعيد . والقرآن تفسر ألفاظه وجمله بمعناها اللغوي والشرعي ، ولا يجوز أن تفسر في غيرهما ، والمعنى اللغوي واضح بأنه أمر للنساء بأن يرخين عليهن جلابيبهن ، أي ينزلن ويسدلن ثيابهن التي يلبسنها فوق الثياب إلى أسفل حتى تغطي القدمين . وقد ورد هذا المعنى في إرخاء الثوب إلى أسفل في الحديث الشريف ، فعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن ، قال : يرخين شبراً قالت : إذن ينكشف أقدامهن ، قال : فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه " .

هذا بالنسبة للآيات التي يستدل بها من يدعون أن الحجاب للنساء المسلمات قد شرعه الله ، أما بالنسبة للأحاديث التي استدل بها على الحجاب فلا تدل عليه ، فإن حديث المكاتب إذا ملك ما يؤدي إلى عتقه يحتجب عنه خاص بنساء الرسول ، ويؤيد ذلك حديث آخر ، فعن أبي قلابة قال : " كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار" فلا دلالة في الحديث على أن المرأة المسلمة تحتجب . وأما حديث أم سلمة وطلب الرسول منها ومن حفصة أن تحتجب فإن الحديث ضعيف لا يحتج به ، وفوق ذلك فإنه خاص بنساء الرسول ، والحديث نص في أم سلمة وحفصة . وأما ما روي عن عائشة قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذي بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه " فإنه يتناقض مع ما رواه البخاري عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " قال في الفتح : والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر . فحديث عائشة ينص على أن النساء المحرمات قد غطين وجوههن عندما كانت تمر بهن الركبان . وحديث ابن عمر يدل على النهي عن لبس النقاب وهو لا يغطي إلا القسم الأسفل من الوجه فكيف يتفق ذلك مع ستر الوجه كله بالثوب بإسداله على الوجه . وبالرجوع للحديثين تبين أن حديث عائشة هذا قد أعل بأنه من رواية مجاهد عن عائشة . وقد ذكر يحيى بن سعيد القطان أنه لم يسمع منها . وأما حديث ابن عمر فهو حديث صحيح قد رواه البخاري ولذلك يرد حديث عائشة لضعفه ومعارضته للحديث الصحيح ولا يحتج له . وأما الحديث الذي فيه الفضل بن عباس فليس فيه دليل على الحجاب بل فيه دليل على عدم الحجاب لأن الخثعمية كانت تسأل الرسول وهي كاشفة الوجه بدليل نظر الفضل إليه وبدليل ما جاء في رواية أخرى لهذا الحديث " فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفضل فحول وجهه من الشق الآخر " وروى هذه القصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزاد " فقال له العباس . يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال : " رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما " فيكون حديث الخثعمية دليلاً على عدم وجود الحجاب لا على الحجاب . لأن الرسول كان يراها وهي كاشفة الوجه . فأما تحويله نظر الفضل ، فأنه رأى أنه ينظر إليها بشهوة وتنظر إليه ، بدليل رواية علي " فلم آمن الشيطان عليهما " ولذلك حوله لأنه نظر بشهوة لا لأنه نظر ، والنظر بشهوة ولو إلى الوجه والكفين حرام . وأما حديث نظر الفجاءة فإن الرسول أمر جريراً أن يصرف بصره أي يغضه ، وهو من قبيل غض النظر الوارد بقوله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } والمراد هنا نظر الفجاءة لغير الوجه والكفين مما هو عورة ، لا نظر الوجه والكفين لأن نظر الوجه والكفين جائز دون أن يكون نظر فجاءة ، بدليل إباحة النظر إليها في حديث الخثعمية السابقة ، وبدليل أن الرسول كان ينظر إلى وجوه النساء حين بايعته ، وحين كان يعظهن ، مما يدل على أن المسئول عنه وهو نظر الفجاءة إلى غير الوجه والكفين . وأما حديث علي " لا تتبع النظرة النظرة " فإنه نهي عن تكرار النظر وليس عن مجرد النظر . وعلى ذلك فلا يوجد من الأحاديث التي يستدل بها من يدعي أن الله شرع الحجاب دليل على وجوب الحجاب ، وبهذا يتبين أنه لا يوجد دليل يدل على أن الله أوجب الحجاب لمسلمات ، أو يدل على أن الوجه والكفين عورة ، لا في الصلاة ولا خارج الصلاة . والأدلة التي استدلوا بها لا يوجد فيها وجه قوي للاستدلال على ذلك ، فهي ضعيفة الرواية ، ضعيفة الاستدلال . وأما كون الوجه والكفين ليسا بعورة ، وكون المرأة يجوز لها أن تخرج إلى السوق والطريق في كل مكان كاشفة وجهها وكفيها فذلك ثابت في القرآن والحديث .

ما القرآن فقد قال الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } فالله تعالى نهى المؤمنات أن يبدين زينتهن ، أي نهاهن أن يظهرن محل زينتهن لأنه هو المراد بالنهي . واستثنى من محل الزينة ما ظهر منها ، وهو استثناء صريح ، وهو يعني أن هناك محل زينة في المرأة يظهر لا يشمله النهي عن إظهار محال الزينة في المرأة ، وهذا لا يحتاج إلى أدنى كلام ، فالله ينهى المؤمنات أن يبدين محل زينتهن إلا ما هو ظاهر منها . أما ما هي الأعضاء التي يعنيها قوله { إلا ما ظهر منها } فذلك يرجع تفسيره إلى أمرين ، أولهما إلى التفسير المنقول ، والثاني إلى ما يفهم من كلمة { ما ظهر منها } . حين تطبيقها على ما كان يظهر من النساء المسلمات أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي عصره ، عصر نزول هذه الآية . أما النقل فقد روي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية إن ما ظهر منها تعنى " الوجه والكفين " وجرى على ذلك المفسرون ، قال الإمام ابن جرير الطبري : " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفين " وقال القرطبي : " لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهروهما عادة وعبادة وذلك في الحج والصلاة فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما " . وقال الإمام الزمخشري : " فإن المرأة لا تجد بداً من مزاولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها ، وخاصة الفقيرات منهن وهذا معنى قوله : { إلا ما ظهر منها } . وأما ما يفهم من كلمة ما ظهر منها فإنه يتبين أن ما كان يظهر عند نزول هذه الآية هو الوجه والكفان . فقد كانت النساء يكشفن وجوههن وأيديهن بحضرته - صلى الله عليه وسلم - وهو لا ينكر ذلك عليهن ،وكن يكشفن وجوههن وأيديهن في السوق والطريق ، والحوادث في ذلك أكثر من أن تحصى ، فمن ذلك :
1 - عن جابر بن عبد الله قال : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله ، وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ،ثم مضى حتى أتى النساء وذكرهن فقال : : تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم " ، فقالت امرأة من سطة النساء سعفاء الخدين ، فقالت لم يا رسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير " . قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن .
2 - عن عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى ، قال هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت ، إني أصرع ، وإني أنكشف ، فادع الله لي . فقال لها : إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ، فقالت : أصبر . فقالت : إني أنكشف فادع الله لي أن لا أنكشف ، فدعا لها " .
3 - عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب ، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال : " تلك المرأة يغشاها أصحابي ، اعتدي في بيت أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك " فأقر النبي ابنة قيس على أن يراها الرجال حين أمرها أن تعتد في بيت أم شريك ، ولكنه لم يقرها أن تضع ثيابها في بيت أم شريك وهي يأتيها الرجال ، فيبدو منها ما هو محرم ، فأمرها أن تتحول وتعتد في بيت أم مكتوم .
4 - روى أبو بكر عن ابن جريج قال : قالت عائشة : دخلت على ابنة أخي مزينة فدخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعرض فقلت يا رسول الله ابنة أخي ، وجارية . فقال " إذا عركت المرأة لم يجز لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا ، وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى ونحوه " .
5 - ومما يدل على أن اليد ليست بعورة مصافحة الرسول للنساء في البيعة . عن أم عطية قالت : " بايعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ علينا أن لايشركن بالله شيئاً ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة منا يدها فقالت : فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها . فلم يقل شيئاً فذهبت ثم رجعت " . وهذا الحديث يدل على أن النساء كن يبايعن باليد ، لأن هذه المرأة قبضت يدها بعد أن كانت مدتها للبيعة . فكون الحديث ينص على أن المرأة قبض يدها حين سمعت لفظ البيعة صريح بأن البيعة كان باليد ، وأن الرسول كان يبايع النساء بيده الشريفة . وأما ما روي عن عائشة من أنها قالت : " وما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة إلا امرأة يملكها " فإنه رأي لعائشة وتعبير عن مبلغ علمها ، وإذا قورن قول عائشة بحديث أم عطية هذا ترجح حديث أم عطية ، لأنه نص عن عمل حصل أمام الرسول ودل على عمل للرسول فهو أرجح من رأي محض لعائشة . ولذلك رجح الرواة حديث أم عطية وأخذوا به وأجازوا مصافحة الرجل للمرأة . فهذه الحوادث الخمسة الثابتة في الأحاديث تدل دلالة واضحة على أن الذي كان يظهر من المرأة هو الوجه والكفان ، والحديث الرابع يدل على إعراض الرسول عن النظر إلى امرأة مزينة لأنها كانت تبدي غير ما يظهر منها ، ثم بين أنه لا يجوز لها أن تبدي إلا الوجه والكفين . وهذا يدل دلالة واضحة أن المستثنى في الآية هو الوجه والكفان . وهذا يدل على أنهما ليسا بعورة ، لا في الصلاة ، ولا خارج الصلاة . لأن الآية عامة : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } . وأما الآية التي بعدها فإن مفهومها يدل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة ، فالله تعالى يقول : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } والخمر جمع خمار ، وهو ما يغطى به الرأس ، والجيوب جمع الجيب ، وهو موضع القطع من الدرع والقميص ، فأمر تعالى بأن يلوى الخمار على العنق والصدر ، فدل على وجوب سترهما ، ولم يأمر بلبسه على الوجه ، فدل على أنه ليس بعورة . وليس معنى كلمة الجيب هو الصدر كما يتوهم ، بل الجيب من القميص طوقه وهو فتحته التي تكون حول العنق وأعلى الصدر ، وضرب الخمار على الجيب ليًّه على طوق القميص من العنق والصدر . فالأمر بجعل غطاء الرأس يلوى على العنق والصدر استثناء للوجه ، فدل على أنه ليس بعورة . وبذلك يكون الحجاب غير موجود ، ولم يشرعه الله سبحانه وتعالى .

هذا من حيث الأدلة من القرآن ، أما الأدلة من الحديث على أن الحجاب لم يشرعه الله تعالى ، وأن الوجه والكفين ليسا بعورة ، فلما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لها : " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه " ، وقد أخرج أبو داود عن قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلى وجهها ويداها إلا المفصل " ، وأخرج البيهقي عن أسماء بنت عميس أنها قالت : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة بنت أبي بكر وعندها أختها أسماء بنت أبي بكر ، وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام ، فلما نظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فخرج ، قالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمراً كرهه ، فتنحت ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام ؟ قال : " أو لم تري إلى هيأتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا ، وأخذ بكميه فغطى بهما ظهر كفيه حتى لم يبدُ من كفيه إلا أصابعه ، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه " . فهذه الأحاديث صريحة بأن الوجه والكفين ليسا بعورة ، وصريحة بأن الله لم يشرع ستر الوجه والكفين ، ولم يشرع الحجاب . إذ لو شرع شيئاً من ذلك لناقض نص هذه الأحاديث التي لا تحتمل أي تفسير أو تأويل ، بل تدل دلالة واضحة صريحة على أن المرأة المسلمة تخرج إلى السوق كاشفة وجهها وكفيها ، وتتحدث إلى الرجال الأجانب ، وهي كاشفة وجهها وكفيها ، وتعامل الناس جميع المعاملات المشروعة ، من بيع وشراء وإجارة وتأجير وشفعة ووكالة وكفالة وغير ذلك وهي كاشفة وجهها وكفيها . وأن الحجاب لم يشرعه الله تعالى إلا لنساء الرسول . وأنه وإن كان القول بالحجاب رأياً إسلامياً لأن له شبهة الدليل ، وقد قال به أئمة مجتهدون من أصحاب المذاهب إلا أن شبهة الدليل التي يستدلون بها واهية ، لا يكاد يظهر فيها الاستدلال . بقيت مسألة يقول فيها بعض المجتهدين وهي أن الحجاب يشرع للمرأة خوف الفتنة ، فيقولون تمنع المرأة من كشف وجهها بين الرجال لا لأنه عورة ، بل لخوف الفتنة ، وهذا القول باطل من عدة وجوه . أحدها : أنه لم يرد بتحريم كشف الوجه لخوف الفتنة نص شرعي ، لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من إجماع الصحابة ، ولا من علة شرعية يقاس عليها ، فلا قيمة له شرعاً ولا يعتبر حكماً شرعياً . لأن الحكم الشرعي هو خطاب الشارع ، وتحريم كشف الوجه لخوف الفتنة لم يأت في خطاب الشارع ، وإذا علم أن الأدلة الشرعية جاءت على النقيض منه تماماً ، فأباحت الآيات والأحاديث كشف الوجه واليدين إباحة مطلقة لم تقيد بشيء ، ولم تخصص في حالة من الحالات فيكون القول بتحريم كشف الوجه ، وإيجاب ستره تحريماً لما أحله الله ، وإيجاباً لما يوجبه رب العالمين . فهو فوق عدم اعتباره حكماً شرعياً ، هو مبطل لأحكام شرعية ثابتة بصريح النص .

ثانيها : أن جعل خوف الفتنة علة لتحريم كشف الوجه وإيجاب ستره لم يرد فيه أي نص شرعي لا صراحة ولا دلالة ولا استنباطاً ولا قياساً فلا يكون علة شرعية مطلقاً ، بل هو علة عقلية ، والعلة العقلية لا اعتبار لها في أحكام الشرع ، بل المعتبر إنما هو العلة الشرعية ليس غير . وعليه فلا يقام أي وزن لخوف الفتنة في تشريع تحريم كشف الوجه وإيجاب ستره ، لأنه لم يرد في الشرع . ثالثها : أن قاعدة الوسيلة إلى الحرام محرمة لا تنطبق على تحريم كشف الوجه لخوف الفتنة ، وذلك لأن هذه القاعدة تقتضي أن يتوفر فيها أمران : أحدهما أن تكون الوسيلة موصلة إلى الحرام بغلبة الظن وكان سبباً للحرام ، بحيث ينتج المسبب حتماً ولا يتخلف عنه . والثاني أن يكون ما تؤول إليه قد ورد النص بتحريمه ، وليس مما يحرمه العقل . وهذا غير موجود في وهذا غير موجود في كشف الوجه لخوف الفتنة . إذ قالوا بستر الوجه لخوف الفتنة ، ولم يقولوا لتحقق الفتنة ، وعليه فلا ينطبق كشف الوجه لخوف الفتنة على قاعدة تحريم ما يكون سبباً لما هو حرام ، على فرض أن الفتنة تحرم شرعاً على من يفتتن به ، لأنه ليس مما يؤول إليه قطعاً . على أن خوف الفتنة لم يرد نص بجعله حراماً ، بل لم يجعل الشرع الفتنة نفسها حراماً على من يفتتن به الناس ، بل حرم على الناظر نظرة افتتان أن ينظر ، ولم يحرم ذلك على المنظور ، فقد روى أبو داود : " كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته الخثعمية تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهه عنها " أي صرف وجه العباس عنها ، بدليل ما جاء في رواية أخرى لهذا الحديث " فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفضل فحول وجهه من الشق الآخر " وروى هذه القصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزاد " فقال له العباس : يا رسول الله ، لم لويت عنق ابن عمك قال : " رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما" . ومن ذلك يتبين أن الرسول صرف وجه الفضل عن الخثعمية ، ولم يأمر الخثعمية بستر وجهها ، وكانت كاشفة له ، فلو كانت الفتنة حراماً على من يفتتن به لأمر الرسول الخثعمية بستر وجهها بعد أن تحقق من نظرة الفضل إليها نظرة افتتان . ولكنه لم يأمرها ، بل لوى عنق الفضل ، مما يدل على أن التحريم على الناظر ، لا على المنظور . وعلى ذلك فإن تحريم افتتان الناس بالمرأة لم يرد به نص يحرمه على المرأة التي يفتتن بها ، بل ورد النص بعدم تحريمه عليها ، فلا يكون ما يؤدي إليه حراماً ، حتى لو كان يؤدي إليه حتماً . على أنه يجوز للدولة عملاً برعاية الشؤون أن تبعد أشخاصاً بعينهم عن أعين من يفتنون بهم ، لتحول بين من يفتتن به الناس ، وبين الناس إذا كانت الفتنة في الشخص عامة ، كما فعل عمر بن الخطاب بنصر بن حجاج حين نفاه إلى البصرة ، لافتتان النساء به لجماله . وهذا عام في الرجال والنساء ، فلا يقال إنه يحرم على النساء كشف الوجه لخوف الفتنة ، حتى ولا لتحقق الفتنة ، ولا يكون ذلك من قبيل الوسيلة إلى الحرام محرمة.

 

هناك 5 تعليقات:

  1. يوجد خطأ إملائي في الآية بالفقرة الرابعة بعد انتهاء المقدمة

    ولا أنت تنكحوا أزواجه من بعده أبد

    والأصل ولا أن تنكحوا أزواجه

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً على التدقيق :)
      تم التصحيح

      حذف
  2. نصوص سليمة مقدمة رائعة كلمات منتقاة اشكرك من قلبي وجزاك الله كل خير

    ردحذف
  3. هل يعني هذا أن غطاء الشعر فريضة؟

    ردحذف
    الردود
    1. نعم، غطاء الشعر فريضة اما غطاء الوجه اقتداء بآل البيت وليس فريضة

      حذف