تحتل فلسفة التربية المركز الاول في العملية التربوية. ومن هذه الفلسفة
تنبثق اهداف التربية ومناهجها ومؤسساتها وطرقها ووسائلها في التعليم وفي
التقويم كما تنبتق الجذور والسيقان والاغصان والاوراق والازهار والثمار من
البذرة التي تودع في باطن الارض ثم يكون منها تلك الشجرة او ذلك النبات
اللذين يكونان المصادر الاولية لأسباب الحياة للانسان والحيوان وغيرهما من
الكائنات الحية.
لذلك تتاثر الاهداف والمناهج والتطبيقات
التربوية بفلسفة التربية التي تنبثق عنها وتكون نسبة الصواب والفاعلية
بالقدر الذي يكون في فلسفة التربية نفسها . وتكون فلسفة التربية صائبة
فاعلة اذا كانت لا تقف عند توليد الوسائل والاساليب التي يحتاجها العمل
التربوي وانما تتضمن ايضا الغايات والاهذاف النهائية التي وجد الانسان من
اجلها في ضوء علاقاته مع الخالق والكون والانسان خلال رحلته عبر الزمان
والمكان في المنشأ والحياة والمصير .
ولا بد لفلسفة التربية
بعد ان تقوم ببلورة الغايات والاهداف ثم الاساليب والوسائل ان تستمر في
توجيه هذه الاساليب والوسائل نحو تحقيق هذه الاهداف والغايات بتدرج يتناسب
مع قوانين الوجود ونمو الخبرات البشرية.
ولا بد لهذه
الفلسفة ان تتصف ايضا بالمرونة والتطور في نظام دائري يبدأ بفلسفة التربية
نفسها ثم ينتقل نحو الاهداف التربوية ثم مكونات العمل التربوي والمناهج
والاساليب والوسائل التي تتفاعل مع شخصية المتعلم وتسهم في اعادة تشكيل
سلوكه ثم تقويم انماط السلوك الحاصلة تقويما عمليا تستثمر نتائجه لتساعد
على استمرار تطوير الفلسفة التربوية وما يتفرع عنها من الاهداف والاساليب
والوسائل .
ما قــبــــــل افـــــــلاطـــــــون :
فلاسفة الطبيعة :
كثيرا ما يطلق على الفلاسفة الاغارقة اسم فلاسفة الطبيعة لانهم كانو يخصون الطبيعة والحوادث الطبيعية بالاهتمام اكتر من اي شي اخر .
ان
فلاسفة الطبيعة كانوا قبل كل شي رجال علم كانوا يهتمون بالتحليل الفيزيائي
للعالم تم ازيحت دراسة الطبيعة في اتينا لتحل محلها دراسة الانسان ومكانه
في المجتمع .
السفسطائيين :
جاء بعد فلاسفة
الطبيعة موجة من اساتذة الفلسفة المتجولين من المستعمرات الاغريقية ,
واستقروا في اثينة. وكانوا يطلقون على انفسهم اسم السفسطائي وتعني
ان الانسان مثقف وكفء . وفي اثينة اصبح تعليم الناس وسيلة لكسب الرزق
للسفسطائيين . وكانوا يشتركون مع فلاسفة الطبيعة في سمة وهي انهم كانو
يرمون عرض الحائط بكل ما هو تأمل خالص بلا موضوع فقد كانوا يقتنعون فقط
بما هو موجود في الحياة من امور مادية محسوسة وقال السفسطائي بروتا غوراس ان الانسان هو مقياس لكل شي, وكان
يعني بذلك ان الصواب والخطأ الحق والباطل شأنه شأن الخير والشر اي ان
مفاهيم الخير والشر هي مفاهيم نسبية حسب الشخص الذي يتعامل معها. على عكس
سقراط الذي حاول ان يبين ان القواعد والنواظم مطلقة يقبلها جميع الناس.
سقراط :
سقراط
هو الشخصية الاكثر غموضا في تاريخ الفلسفة كلها : انه لم يكتب سطرا ومع
ذلك فإنه من اولئك الذين كان لهم التأثير في الفكر الاوروبي .
قضى سقراط معظم ايام حياته وهو يتحدث الي الناس في الطرقات وكان يقول دائما ( إن اشجار الريف لا تستطيع ان تعلمني ابداً ).
حتى في ايام حياته كان رجلا شديد الخفاء وعندما مات اعتبر المؤسس لمدارس
فلسفية عديدة , مختلفة تماما فيما بينها . ونحن نعرف حياة سقراط بفضل
تلميذه افلاطون ثم اصبح واحدا من اكبر الفلاسفة في التاريخ .
ومن
المعروف انه من سر نجاح سقراط انه لم يكن اسلوبه قائم على انه يريد تعليم
الناس بل على العكس من ذلك , كان يقدم الانطباع بأنه هو الذي يريد ان يتعلم
من الشخص الذي يحاوره , انه لم يكن يلقي درسا كاستاذ عامي بل بالعكس كان
يناقش تلاميذه وعامة الناس . وكان سقراط يؤكد انه لا يعرف الا شيئا واحدا هو انه لا يعرف شيئا . وكان يقول: ان الرؤية الصحيحة وتؤدي الى العمل السليم .
وبعد اعدام سقراط بدأت مدارس الفلسفة بالظهور والتي سيتم التطرق لاهمها في الصفحات التالية.
الفلسفات التربوية :ـ
1- الفلسفة المثالية :
ان الفلسفة المثالية هي من اقدم الفلسفات التي وجدت على البسيطة ، وتعود الى مؤسسها افلاطون .
اهم اعلام المثالية:
ديكارت
: ويعتبر اول من انشأ منظومة فلسفية حقيقة ـ اي فلسفة تعيد النظر في كل شي
ـ وكان يريد جمع افكار واضحة لدراسة العلاقة بين النفس والجسد ، كما برع
ايضا في مجال الرياضيات وكان يريد تطبيق طريقة رياضية للبرهان على حقيقة
بعض الافكار الفلسفية .
هيجل : تأتر هيجل بكل من
افلاطون وفلسفة ديكارت وتحدث عن مصطلح روح العالم او سبب العالم وقصد بها
كل المظاهر ذات السمة الانسانية ، كما تأثر ايضا بفلسفة هيراقليطس وبما
يسمى بفلسفة الاضداد التي اخذها واعاد بناءها بعده كارل ماركس وفريدريك
انجلز .
كانت و بستالوزي و فروبل.
كان
اهتمام افلاطون منصبا على العقل وقد اهمل الحواس فقد اعتبر الحواس مضلله
ولا توصل الى المعرفة الصحيحة ، كما كان يعتقد افلاطون انه توجد حقيقة وراء
عالم الحس او الحواس وهي التي سماها عالم الافكار او عالم المثل وهنا توجد
النماذج الخالدة التي لا تتغير والتي هي الاصل في كافة الحوادث الموجودة
في الطبيعة . ويؤلف هذا التصور ما يسمى عادة باسم نظرية المثل .
ويرى افلاطون ان كل ما نراه حولنا في الطبيعة يمكن ان يقارن بفقاعات صابون ، فما من شيء موجود في عالم الحواس يمكن ان يبقى .
كما
يحسب افلاطون ان النفس كانت موجودة في عالم المثل قبل ان تسكن جسد
الانسان. وكان يحسب ان كل الحوادث الطبيعية ليست الا الظلال ، ظلال الافكار
ـ المثل ـ الخالدة .
ويذكر افلاطون في احد امثلته التي تدعو الى الاعتماد على العقل دون الحواس هو ما معروف ب الطريق للخروج من ظلمة الكهف .
نشأة الفلسفة المثالية التربوية المعاصرة :
تنحدر
الفلسفة المثالية من افلاطون وتمر عبر اللاهوت اليهودي ـ المسيحي وتتلون
بتلونه، وهي تؤمن ان جوهر العالم هو العقل والافكار ،والموجودات الكبيرة
والصغيرة ، والااشكال وظلالها والعقل المطلق او ( عقل الاله ) هو الذي يخلق
الحقيقة والافكار, وهو اساس المعرفة . لذلك يجب ان يركز التطبيق التربوي
على تدريب العقل وتنمية الروح واحكام الافكار.
ولقد تفرعت المثالية الى فرعين طبقا لاختلاف تصوراتها عن الانسان :
الفرع
الاول الذين يؤمنون بان الانسان جسم وعقل. والفرع الثاني الذين يؤمنون ان
الانسان جسم وعقل وروح . وانطلاقا من التصور الاول يكون اسمى ما في الانسان
هو العقل ، وانطلاقا من التصور الثاني يكون اسمى ما في الانسان هو الروح .
ويكون عمل التربية حسب التصور الاول هو تدريب العقل، اما حسب التصور
الثاني فهو تدريب الروح .
2- الفلسفة الواقعية :
وتعود
هذه الفلسفة الي مؤسسها ارسطو الذين كان واحدا من تلاميذ افلاطون، لكنه
ثار عليه واكد على اهمية الحواس الى جانب العقل كما قال ارسطو ان ما من
فكرة هي فطرة وان الافكار الخالدة قابلة لان تتبدل وتتغير وكان يعتمد ارسطو
في دراسته على الحواس الى جانب العقل ، فلم يكتفي بالعقل كما فعل افلاطون .
اهم اعلام الواقعية :
ابن سينا : الفيلسوف المسلم الذي برع في مجال الطب
فرانسيس بيكون و جون لوك
نشأة الفلسفة الواقعية التربوية المعاصرة :
تعود
المدرسة الواقعية الي ايام ارسطو وتنحدر عبر توماس الاكويني وعدد من
الفلاسفة الطبيعيين ، اما في العصور الحديثة فتبدأ من مايكل دي مونته
الفرنسي و ريتشارد مولكاستر الانكليزي و جون ملتون ، ثم استمرت في احضان
الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وانتشرت حيث انتشرت .
ولقد انقسمت الواقعية الى ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الاول: الواقعية المتدينة ، وهي تؤمن ان المادة والعقل او الروح موجودان ، وهما مخلوقان مقدسان من خلق الاله وهما يعملان بانتظام.
اما الاتجاه الثاني : فهو لا يرى ضرةرة للتدخل الالهي في تفسير اصل الكون انما يفصل بينهما فصلا تاما.
واما الاتجاء الثالث : فهو يركز على الوجود المادي بعيدا عن العقل ، والعقل لا دخل له بوجود المحسوسات .
تم
تفرعت الفلسفة الواقعية واصبحت مظلة انضوى تحتها فلسفات تربوية ومدارس
فكرية عديدة اتفقت كلها على ان الوجود الحقيقي هو الواقع المادي ولكنها
اختلفت في مصدر هذا الوجود.
والتربية عند هذه المدرسة يجب ان تهتم
بكشف قوانين الطبيعة التي تحكم المادة والمخلوقات العضوية وعالم العقل
واكتشاف التناسق بين مظاهر الوجود. والمنهاج هو ملاءمة بين الانسانية
والمواد العلمية. ويجب استعمال المواد العلمية وطرق المنطق والرياضيات.
وممن مثل هذه المدارس المختلفة في العصر الحديث : براند رسل , و الفرد نورت
وايتهد .
3- الفلسفة البراجماتية :
تمتد
جذور الفلسفة البراجماتية الي الفيلسوف هيراقليطس الذي يعود له الفضل في
ظهورها كما يعود له الفضل في ظهور ما يسمى بفلسفة الاضداد التي امتدت لتأخذ
عنها الجدلية الماركسية ، ومن المعروف ان هيراقليطس آمن بالتغير والتطور
المستمر وركز على كيفية استخدام الطبيعة وتسخيرها لخدمة الانسان، ومن
الجدير ذكره في هذه اللحظة تلك الحادثة التي برهن فيها هيراقليطس على ضرورة
تسخير كل ما في الطبيعة لخدمة الانسان ، وهي عندما قام بدراسة الطقس
والتنبؤ به بعد ان كانت مدينته تمر بفترة انقطاع للامطار ، فقام باستإجار
جميع معاصر الزيتون في تلك السنة فجمع ثروة نتيجة لقدرته على التنبؤ في
حالة الطقس .
أهم اعلام البراجماتية :
شارلس بيرسي : وهو اول من استخدم كلمة البراجماتية
وليم جيمس و جون ديوي
نشأة الفلسفة البراجماتية التربوية المعاصرة :
يرى
مؤرخون التربية الى انها بدأت من شارلس بيرسي تم ازدهرت في القرن التاسع
عشر على يد كل من وليم جيمس وجون ديوي ، ولقد كانت اهم مصادر هذه المدرسة
هي كتابات
ـ شارل داروين ـ وتقوم البراجماتية على العمل والممارسة ،
اما الافكار فهي تابعة للعمل ونتيجة من نتائجها. ولذلك فان الفكرة الصحيحة
هي الفكرة التي يمكن قياسها وتطبيقها ، والعقل ليس له موقع ولا وجود وانما
الموجود هو المخ وعملياته ، وتوجد القيم بمقدار اثرها في حياة الانسان فإن
لم تؤثر اصبح لا وجود لها ولا فائدة لها ولذلك فالثقافة والفن والاخلاق هي
امور نسبة ، والعالم في نظر البراجماتية هو المادة المتحركة والتطرو
المستمر الذي يعتري المادة والقيم والحقائق والزمان والمكان .
لذلك كان يجب على التربية ان تركز على الطريقة اكثر من المادة الدراسية وان تعلم المتعلم كيف يتعلم وكيف يفكر بطريقة علمية.
وان
الانسان عند البراجماتية يخلق عالمه من خلال اعادة تنظيم الخبرات المستمر
ومن خلال التفاعل الاجتماعي البيولوجي مع البيئة . ولذلك يجب على المعلمين
ان يدربوا التلاميذ على بناء خبراتهم وان توفر للتلاميذ بيئة التعليم
للتفاعل مع ما حولهم ، وان ما يجب التاكيد على الطريقة العلمية واسلوب حل
المشكلات.
والمنهاج يدور حول رغبات التلميذ والمشكلات اكثر مما يدور حول مجموعة الحقائق الثابتة المسبقة.
اما بالنسبة للفلسفات التقدمية والتجديدية فهما عبارة عن فلسفات نبعت من الفلسفة البراجماتية وسيتم التطرق لهما فيما بعد .
4- الفلسفة التربوية الاسلامية :
عن
الحديث عن الفلسفة الاتربوية الاسلامية فلايمكننا تناولها كما تم تناول
الانماط الاخرى من انماط الفلسفة الاخرى ، فالفلسفة الاسلامية هي نظام
رباني متكامل وشامل يقوم في نظامة بالتركيز على الكون والانسان والحياة وما
بينهم من علاقة تفاعل والحياة في هذه الفلسفة ليست سوى معبر للحياة الاخرى
بعد الوفاة.
اما بالنسبة لاعلام هذه الفلسفة فلايمكن حصرهم وحصر
انجازاتهم فعلى سبيل المثال نرى ابداع كل من ابن خلدون والفارابي وابن رشد
وابن سينا واسهاماتهم في تقدم العلم في العالم فابن خلدون يعتبر اكبر
مؤسسين علم الاجتماع و ابن حيان ايضا هو اول عالم يقود بتطبيق مبدأ التجريب
بطريقة علمية ولا ننسى اسهامات ابن سينا وابن رشد في الطب حيث كانوا اوائل
من اقامو المستشفيات والمصحات ويعتبر ابن سينا اول من قام بوضع تصنيفات
للامراض الجسمية والعقلية والنفسية . اما من هو المعلم الاكبر في هذه
المدرسة فهو النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي طبق هذه الفلسفة كنظام حياة ونظام دولة .
ومن
اهم ما يميز الفلسفة التربوية هو نظرتها للكون والانسان والحياة
وتلبيتها لجميع احتياجات الانسان دون الاقتصار على الجانب العقلي او
الجسدي او الرحي فقد شملت جميع جوانب الحياة بجميع مراحل نمو الانسان من
المهد وحتى الوفاة .
تنبثق فلسفلة التربية الإسلامية من عقيدة
التوحيد الإسلامية ، وهي تعمل على الوصول إلى غايتين أساسيتين هما: بقاء
الإنسان ثم الارتقاء بهذا الإنسان إلى المستوى الذي يليق بمكانته بالوجود.
ويتحقق للانسان الخلود ثم الرقي حين تتشكل علاقاته بالخالق والكون والانسان والحياة والاخرة كما يلي:
ـ العلاقة بين الانسان وبين الخالق هي : علاقة عبودية
ـ العلاقة بين الانسان وبين الكون هي : علاقة تسخير
ـ العلاقة بين الانسان وبين الانسان : علاقة عدل واحسان
ـ العلاقة بين الانسان وبين الحياة هي : علاقة ابتلاء (اي الامتحان او الاختبار)
ـ العلاقة بين الانسان وبين الاخرة هي : علاقة مسؤلية وجزاء.
نشوب الصراع بين الفلسفات التربوية الثلاث ـ المثالية و الواقعية والبراجماتية ـ .
نشب
الصراع بين الفلسفات التربوية الثلاث وتبارى انصارها في تسفيه مفاهيم
الفلسفات المقابلة. فلقد شن جون ديوي هجوماً شديداً على كل من الفلسفة
المثالية والفلسفة الواقعية واعتبر ان كل منهما فلسفة قديمة تقدم تربية
تقليدية تعمل على اساس روتيني وتقدم برامج وانحدارات من الماضي لا تسهم في
تنمية الخبرة ولا تمثل اي مظهر للخبرة. كذلك انتقد الفلسفة المثالية
والواقعية لانهما يفصلان بين الخبرة العقلية والخبرة الجسدية واضاف ان هذه
الثنائية هي أسوأ شرور التربية التقليدية . ومن اقوالة في هذا الشأن :
((
ان اصحاب هذا الفهم حين يعملون يمارسون ضغطا على الجسم بعدم الحركة
والنشاط فيطلبون السكون وعدم الحركة ويعاقبون الطالب اذا قام بأية حركة
لانها ـ حسب رأيهم ـ مفسدة للخبرة العقلية دون ان يتبينوا ان التوتر العصبي
والتعب البدني اللذين يصيبان كلا من العلم والطالب هو الثمرة الشاذة لمثل
هذا الفهم ))
ثم أضاف: ((ان وقية من الخبرة خير من طن من التلقين النظري. فالخبرة
تكسب الافكار النظرية اهميتها وحيويتها. والخبرة مهما كانت متواضعة تولد
الافكار النظرية . ولكن الافكار النظرية المنفصلة عن الخبرة لا يمكن ان
تفهم وانما تتحول الى مجموعة من الكلام المنمق الذي يجعل التفكير مستحيلا))
.
ولقد شن ممثلوا الفلسفة المثالية هجوما مماتلا على البراجماتية
وجون ديوي . ومن اشهر ممثلي المثالية هيرمان هارل هورن الذي اشتبك مع ديوي
نفسه . واشهر كتبه في هذا المجال المثالية في التربية الذي نشره عام 1910
وكتاب فلسفة التربية الذي اصدره عام 1927.
وشارك في هذه المعركة
ممثلوا الواقعية وهاجموا البراجماتية ومن اشهر من قاموا بمهاجمتها فريدريك
بريد الذي حاول في كتابه اظهار تفوق الواقعية على البراجماتية ومن ممثلي
الفلسفة الواقعية الفرد نورث وايتهد صاحب كتاب أهداف التربية الذي اصدره
عام 1929 ولقد عمل في بريطانيا وامريكا وشارك في الجدل الدائر حول الفلسفات
التربوية .
تعدد الفلسفات التربوية وتناقضها .
ادى
هذا الصراع التربوي حول فلسفة التربية الي ميلاد عدد اخر من مدارس الفلسفة
التربوية. فقد انجبت الفلسفة البراجماتية وليدين اخرين هما الفلسفة التقدمية والفلسفة التجديدية.
وتعود
اصول الفلسفة التقدمية للتربية الى ايام المربي الروماني كوينتليان (35-95
ق.م) الذي انتقد اسلوب اليونان وقسوتها على الطف ودعا الى مراعاة قدراته
ومساعدته على النمو. ثن جاء الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو فدعا في كتابه
(إميل) الى تمركز التربية حول الطفل.
ولكن خلال الركود الاقتصادي
الذي حدث في الثلاثينات من القرن العشرين وحينما كانت الفلسفة التقدمية في
قمة رواجها ضاقت مجموعة من فلاسفة التقدمية بالركود القائو وبخطى الاصلاح
فدعوا الى اعادة بناء النظر في التربية التقدمية وتقليل التركيز على رغبات
الطفل واعطاء انتباه اكبر لمصالح المجتمع، او التقليل على التركيو على نمو
الفرد واعطاء انتباه اكبر لاصلاح المجتمع ولقد اصبح هؤلاء نواة الفلسفة
التجديدية.
وترى الفلسفة التجديدية ان نموذج المجتمع المثالي يجب ان
محور التربية وتنظيم برامجها واهدافها وبرامجها ، وان على المدارس ان تعمل
على اعداد مواطن المستقبل لمجتمع المستقبل الذي يجري بناؤه لا على المجتمع
القائم.
ومن ممثلي الفلسفة التجديدية ثيودور براملد وتتركز اراؤه في
ان الفلسفة التجديدية هي فلسفة الازمات وانها علاج الثقافة أو المجتمع
اللذين يمران بأزمة وهي جوهر المجتمع الديمقراطي.
اما تطبيقاتها
التربوية فقد ركزت على احلال النشاطات التعاونية بدل المنافسات الفردية بين
الطلبه واشاعة العمل اجماعي بدل القيادة الفردية، وان يكون الانجاز هو
القوة الدافعة للمستقبل.
كذلك افرزت الفلسفة المثالية وليداً
جديداً هو فلسفة الديمومة. وهي كسابقتها من المدارس المحافظة وتمقت كتيرا
من اتجاهات العالم المعاصر مثل: نتائج الثورة الصناعية، والثورة العلمية ،
وقيم العلمانية، وقيم البروليتاريا الماركسية، والثورة التكنولوجية
والالكترونية. وهي كفلسفة تربوية تركز على الماضي وسموه وتؤكد على ديمومة
الكون وعدم تغير الطبيعة الانسانية والحقيقة والمعرفة والتفضيلية والجمال.
فالمرغوب هو الثابت. ومن ممثلي هذه المدرسة روبرت هوتشنز.
والتربية
في فلسفة الديمومة محورها طبيعة الانسان الثابتة وهي القدرة على التفكير
وادراك المثاليات. وهو ينفرد بذلك عن بقية المخلوقات. لذلك فالتربية عملية
ثابتة تستهدف اخراج الانسان العاقل الحكيم. والمنهاج في هذه الفلسفة مشتق
من مفاهيم اليونان القدماء ومفاهيم التربية الحرة اللاتينية.
كذلك
افرزت الفلسفة الواقعية وليدا اخر هو فلسفة الاسس الجوهرية. وهذه الفلسفة ـ
في امريكا ـ تركز على موضوعات اساسية انطلاقا من هدفين رئيسين: الاول ان
وظيفة التربية نقل التراث الثقافي. الثاني التدريب العقلي . ويضيف البعض
الى هذين الهدفين : الصحة الجسدية والصحة النفسية والكفاءة المهنية وممارسة
الهوايات. كذلك تطلب الى المدرسة ان تركز على قيم المجتمع السائدة وقيم
قادة الامة السياسين والجتماعييين الاموات والاحياء ومفكري الحضارة
الغربية.
الانتقادات التي وجهت الى المدارس الفلسفية
الانتقادات التي وجهت الى فلسفة التربية المثالية:
1- انها غير ديمقراطية تبالغ في دور تقدير الكبار وفي المحافظة والتقليد.
2- تعيق تقدم الفرد والمجتمع.
3- التناقض بين الفكر والتطبيق.
4- المبالغة في مدح التراث الثقافي والاجتماعي وتجعل له صفة الدوام والإلزام.
5- تركز على النخبة في المجتمع وتهمل الاخرين.
الانتقادات التي وجهت الى الفلسفة الواقعية:
1- تأثر مبادئها بالاراء الشخصية.
2- تركيزها على اعداد نخبة من جماعة المثقفين للقيادة في المؤسسات المختلفة وعدم تقديم برنامج ديمقراطي.
3- ثبات المفاهيم وعدم مراعاة عوامل التطور.
4- تركيزها على التربية العقلية دون التربية الجسدية واهمال حاجات المتعلم ومتطلبات البيئة.
5- انتسابها للماضي وعدم ملاءمتها للحاضر.
الانتقادات التي وجهت للفلسفة البراجماتية وتشمل :
النتقادات التي وجهت للفلسفة التقدمية :
1-
التربية التقدمية البراجماتية تربية بدون أهداف. فقد اعطت اهتماما اكثر
مما يجب لقضايا التكيف وتشجيع الناشئة على الجري وراء رغباتهم ووراء
النشاطات الاجتماعية بينما اهملت الموضوعات الاكاديمية والعقلية والدراسات
الجادة. ولقد وصف بعض النقاد المدرسة الحديتة القائمة على البراجماتية على
انها سيرك لعب اكثر من كونها معهد اكاديمي.
2- التربية الحديثة
اعطت اهتماما اكبر مما يجب لاعداد المعلم على اساليب التدريس وطرق التدريس
وطرائق التعلم بينما لم تعط العناية اللازمة لاعداده في المادة الدراسية
التي يعلمها.
3- اعطت التربية الحديثة مكانة عالية لتمهين
الشهادات بحيث هيأت للحاصل على شهادة المواد التربوية فرصا افضل للحصول على
العمل من أولئك الذين يحصلون على شهادات في المواد العلمية.
4- ان التركيز على التكيف الاجتماعي والمواد التربوية ادى الى نقص في التفوق العلمي.
5- حين جعلت البراجماتية الحقيقة من صنع الانسان هونت من منزلت الحقيقة وجعلتها امر ليس بذي بال ولا يحتاج الى جهد كبيرز
6-
حين حصرت البراجماتية والتقدمية الحقيقة في الخبرة فشلت في تقديم شيء عن
الحقيقة الكلية التي هي مدار اهتمام الانسان في الماضي والحاضر.
7- نزلت البراجماتية بمفهوم العقل من مستوى التفكير والعقلانية الى مستوى الذكاء لتدبير امور المعاش.
8- نزلت البراجماتية بالقيم الاخلاقية والجمالية وجعلتها نسبية موقوته وغير صادقة.
9- ركزت البراجماتية على حاضر الانسان مع ان التاريخ يعلم اشياء كثيرة.
10- التركيز الزائد على الطفل وتقليل دور المعلم واعتباره مجرد موجه مغفلة بذلك نضج المعلم ومعارفه وحكمته.
11-
البراجماتية تتواطئ مع رجال الصناعة والاقتصاد وبناء النظم التربوية بشكل
يتطابق مع اهداف المصانع ومراكز العمل ورأس المال وترويض الانسان للتكيف مع
نظم هذه الشركات.
الانتقادات التي وجهت الى الفلسفة التجديدية:
1- إن أعادة البناء الاجتماعي امر غير واقعي. والصورة التي تقدمها الفلسفة التجديدية صورة خيالية.
2- اهمال اثر القوى الخارجية كالقوى السياسية وزعمها على ان التربية وحدها قادرة على اعادة تركيب المجتمع.
3-
تتناقض هذه المدرسة مع نفسها، ففي الوقت الذي تؤكد على حرية الفرد
والديمقراطية فهي تعطي المجتمع هيمنة تحد من هذه الحرية والديمقراطية.
4- ان الفلسفة التجديدية ليست فلسفة تربوية وهي اقرب الى الفليفة الاجتماعية التي تتعلق بالاصلاح الاجتماعي وليس العمل التربوي.
الانتقادات التي وجهت الى الفلسفة الاسلامية :
ان
الانتقادات التي تم توجيهها الى هذه الفلسفة كانت بالاغلب توجه الى القائم
بتطبيق هذه الفلسفة وليس الفلسفة الاسلامية بحد ذاتها، اي كان الانتقاد
يوجه للذين يسيؤن تطبيق الفلسفة الاسلامية.
كما وجه لها انتقاد اخر
من قبل الجماعات المادية الواقعية حيث ان الفلسفة الاسلامية تحتوي جانب من
الغيبيات المجهولة التي تترك غموض بسبب عدم تفسيره
ملاحظات حول فلسفات التربية الحديثة:
يمكن
القول ان فلسفات التربية الحديثة في الغرب تعاني من نقص في تنظيم الحاجات
الانسانية وتحقيق التكامل بين الحاجات المعنوية والحاجات الجسدية.
فالمثالية انبرت عن الحاجات الجسدية واجتزأت الحاجات العليا.
اما الفلسفة الواقعية فقد انبرت عن الحاجات المعنوية واكتفت بالحاجات المادية.
اما الفلسفة البراجماتية فتذبذبت بين النوعين من الحاجات حسب تقلب الزمان والمكان.
لذلك
انتهت هذه الفلسفات الى التركيز على بقاء النوع البشري وهملت العمل على
رقي النوع البشري، وصارت لا تمد الانسان في التربية بصورة واضحة عن الغاية
التي خلق لاجلها ولا الكيفية التي حدث بها هذا الخلق والى اين سينتهي
مصيره،
كما ان المفهوم الذي قدمته عن علاقة الانسان بالانسان وعلاقات
الانسان بالكون والمحيط هو مفهوم غائم مضطرب متناقض يتعرض للتبديل والنقص
من آن لآخر. لذلك هبطت الفلسفات عن الهدفين الاساسيين : بقاء النوع البشري
ورقيه، وانحسرت غاياتها واهدافها في تسليح أعراق بشرية معينة لتعيش على
حساب اعراق اخرى ((البقاء للأقوى)) .
كذلك انعكس النقص في الغايات
والاهداف على الوسائل سواء أكانت وسائل المعرفة ام وسائل التطبيق المعرفي
والتربوي, فاقتصرت مناهج المعرفة المنبثقة عن الفلسفات التربوية الحديثة
على العقل والحواس واهملت الوحي. وغياب الوحي الصحيح من مناهج المعرفة
المذكورة ادى الى مبالغة هذه المناهج في دور العقل واستعماله في غير ميدانه
والتصور انها من خلال العقل وحده ستخترق الوجود المحسوس الى عالم الغيب
كله وتكشف عن مصدره وخلقه ومصيره، ثم تستثمر هذه المعرفة لبقاء النوع
البشري ورقيه. وحينما فشلت في تحقيق ذلك انحسرت في قوقعة العالم المادي
المحسوسواقامت تطبيقاتها التربوية طبقا لهذه الدائرة الضيقة. ولكن هذه
التطبيقات فشلت ولم تستطع حتى الىن تحقيق الهدف الادنى هدف بقاء النوع
البشري والحفاظ عليه.
كذلك اقتصرت المعارف والعلوم المتولدة من خلال
وسيلة العقل والحواس وحدهما على الميادين المادية المحسوسة دون ادنى معرفة
عن قضايا المنشأ والمصير. ولقد انعكست هذه الجزئية في المعرفة والتربية على
ميدان الحياة المادية نفسها حيث لم تقدم فلسفات التربية الحديثة تصوراً
واضحاً عن علاقة الانسان بالحياة بل قدمت تصور مبعثه دوافع الانسان وغرائزه
وخلاصة هذا التصور ان الحياة الراقية هي معرض استهلاك ونتيجة لهذا النقص
لم تستطع ان تبلور القيم اللازمة لتقييم ثمار المعرفة وتركتها لتتشكل في
حدود رغبات الافراد وحاجاتهم المادية كذلك فصارت القيم كمناديل الورق التي
تستعمل لازالة القاذورات العالقة بالايدي والثياب ثم القائها في سلة
المهملات.
ملاحظات حول فلسفة التربية الاسلامية
يمكن
القول ان فلسفة التربية الاسلامية كما استخرجناها نظريا من اصول الكتاب
والسنة تعمل على بقاء النوع البشري من خلال إجكام علاقات انسان التربية
الاسلامية بالخالق والكون والانسان والحياة والآخرة، ومن خلال تصورها
الاشمل ل الحاجات الانسانية الجسدية والمعنوية ثم تكامل هذه الحاجات
المعنوية هدف رقي هذا النوع.
كذلك حددت فلسفة التربية الاسلامية
الوسائل المعرفية الموصلة الى تطوير الادوات اللازمة لتحقيق الغايات
والاهداف المشار اليها في الفقرة السابقة. ولقد تمركزت هذه الوسائل حول
تظافر كل من الوحي والعقل والحواس للوصول الى المعرفة الصحيحة بالعلاقات
المذكورة وتحويلها الى تطبيقات وممارسات تؤدي الى تحقيق الاهداف المذكورة
وتقييمها وتطويرها كلما دعت الحاجة لذلك بتأثير عوامل اربعة هي:
الاول عامل عقائدي هو تحديد الصلة القائمة بين الخالق المربي وبين الانسان المخلوق.
الثاني
عامل اجتماعي وهو بلورة العلاقة وانماط السلوك في الدائرة الانسانية التي
ينتمي اليها انسان التربية الاسلامية وهي دائرة شملت جميع افراد النوع
الانساني.
الثالث عامل مكاني وهو اسلوب العيش على الرقعة المكانية وهي رقعة شملت الكرة الارضية كلها والكون المحيط.
الرابع عامل زماني وهو مراعاة البعد الزماني لعمر الانسان وهو بعد يبدأ في الدنيا ويمتد الى الاخرة عبر مستقبل لا يتناهى.
المراجع:
ماجد عرسان الكيلاني،فلسفة التربية الاسلامية،دبي: دار القلم، 2002
محمد قطب،لا اله الا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة.
غوستان غاردير،عالم صوفي،ترجمة حافظ الجمالي،دمشق:دار طلاس،1996
عبد الكريم ابو خشانة،مدخل الى الفلسفة.2002
أشكرك أخي طلحة على هذا العرض الرائع ، ولكن ما شدني هو الفلسفة التجديدية فهل لديك شيء من التفصيل من ذكر بعض المراجع ، ولك مني كل التقدير والاحترام ,
ردحذفجميل جداا لكن يفتقد الى التوثيق الداخلي لكي يسهل الرجوع للمعلومة
ردحذفأحتاج الى بحث عن الاصول الاخلاقية والثقافية للتربية
ردحذفأحتاج الى بحث عن الاصول الاخلاقية والثقافية للتربية
ردحذفأحتاج الى بحث عن الاصول الاخلاقية والثقافية للتربية
ردحذفأريد أن أسأل عن تصور لفلسفة التربية الإسلامية رجاءا ساعدوني جزاكم الله خيرا
ردحذفعرض رائع
ردحذفبإعتقادي ليس من الصحة قول فلسفة تربية إسلامية فهي ليست فلسفة بل عقيدة ربانية ثابته والفلسفة من صنع البشر
ردحذفهل الفلسفة المثالية هي المدرسة المثالية
ردحذفاريد مراجع حول المدرسة المثالية من فضلكم
اريد فلسفة التربية عند ديكارت
ردحذف